في البلاء/وقفة مع الفاروق(رض)
ليس كالعدل و الاحسان اساسا للحياة و لهذا يقال و بشكل ثابت ان العدل اساس الملك وان الاحسان قياسه و لا اظن ان هناك احد يمر على ذكر سيدنا عمر الفاروق (رض) الا و جاءت هالة العدل و الاحسان تلفه من كينونات كيانه كلها ان كان لها و العدل و الاحسان رضا متميز في معالم شخصية من يعيش هذه الهالة من المؤمنين الصادقين و ليس ذلك الا لأمثالهم ممن يؤمنون بذلك و يقفون مع هذا العملاق في عدله و احسانه و سمات الحق تمشي من خلاله على الارض و كيف لا و هو خريج خير معلم دب و سرى على الارض و عرج الى السماء.
يقول هذا الفاروق ان من فضل الله عز و جل على المؤمنين عند البلاء انه قد يصيبهم في كل شيء الا في ثلاث و هي:-
1. ان لا يصيبه في دينه.
2. ان لا يكون بلاءه اكبر ما يكون من بلاء دونه من الآخرين.
3. ان يكون له في ذلك اجرا كبيرا عند الله دون سواه من غير المؤمنين.
و ليس هناك خير من نتائج الامور عند المقارنة بين حصاد البشر في الدنيا و الآخرة على حد سواء غير غافلين من مؤشرات الخير التي يراها المؤمن المتقدم في حالة ايمانه دون غيره من المؤمنين و غير المؤمنين.
و باديء ذي بدء هل البلاء كارثة بحد ذاتها و كيف لنا ان نفهم هذا الامر بمقياس نسبي غير مجرد ليعطي هبته الربانية ابعادا لا يفهمها الا القليل. فكثير من اهل الامة لا يفهمون ان ما تمر به من بلاء و هي في حالها الحاضر لهو اكبر كثيرا مما لو دخلت في بلاء الجهاد في سبيل الله و تنظيف ارضها و سماؤها و ثقافتها من براثن الكلاب السائبة التي تعيث فسادا فيها من يهود و صليبيين و مجوس و امثالهم الكثير.
ان خير نعمة يمن الله بها على احد من خلقه هي نعمة الايمان الصادق و التي اصبحت و امست البلاء بعينه بل هي الجمرة في يده كما اخبرنا الصادق الامين (ص) بهذا الامر " يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر "(1). او في نص آخر " يأتي على الناس زمان المتمسك فيه بسنتي عند اختلاف أمتي كالقابض على الجمر "(2)
و رغم كل الخزف الباهت الفاني لهذه الدنيا و الذي يعلمه كثير من اهلنا فانهم يتركون الذهب الخالص الدائم من خير الآخرة كما يصف لنا ذلك الحبيب (ص) بقوله (ص):
"يؤتى بأنعم أهل الدنيا، من أهل النار، يوم القيامة. فيصبغ في النار صبغة. ثم يقال: يا ابن آدم! هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا. والله! يا رب! ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا، من أهل الجنة. فيصبغ صبغة في الجنة. فيقال له: يا ابن آدم! هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا. والله! يا رب! ما مر بي بؤس قط. ولا رأيت شدة قط"(3).
فنعمة الايمان هي الارهاب التي يرددها و مع الاسف الكثير ممن يتنفسون بريح اعداء الامة و يستنشقون الفاسد المرجع من غائطهم و ليس لي ادل على ما اقول هو التمجيد و التبجيل لمن صلى و ولى و كأن الامر لا يعنيه من قريب او بعيد مع ما للصلاة من شروط نهيها عن الفحشاء و المنكر و البغي فهل اكملنا شروطها ام الفقه يعني ان نؤمن ببعض الكتاب و نكفر ببعض؟! فما جزاء من يفعل ذلك برأيكم حين يحكم عليه القرآن؟ و لست ناسيا ما سيجنيه من ترضى عنه اليهود و النصارى فتغدق عليه من النعم و السهم و الالقاب و الوطنية و النبل و ريادة الامور فيصبح الصعلوك عندهم ابا زيد و و اي ابا زيد سيفه من خشب عليهم و من جمر و حديد على المؤمنين الارهابيين, و من يدعي غير هذا الوصف لكثير من مسحات امتنا يكون رأسه و رأسها في الرمل هروبا من هول الخطر المداهم لها و ان اجزنا ذلك للنعامة فهل يجوز ذلك لمن يدعون بولائهم للالباب؟!
لا اعرف كيف يتم لي اختصار الوقت اللازم لان تقفز هذه الامة بنفسها مختصرة القادم من الوقت بكل ما فيه من جرعات الذل و الهوان الصانع لردها اللازم على اعدائها فهل هي انسيابية القدر المسلم به ام امتحان الله لأهلها فأتعضوا يا اولي الالباب, نعم فلو شاء الله لعجل في ذلك و لكنه التمحيص الذي يخرج فيه الناجحون فائزين بالنعيم و يخرج الراسبون خاسرون له و هيهات الندم بعد فوات الاوان.
و ليس فيما اسلفت دعوة لايلاج انفسنا في البلاء فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.
و كذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء) (4).
و لكن ما العمل ان تطلب الامر ذلك و بكل المقاييس سواءا الاسلامية منها او الذمية بل و حتى البوذية و على حد سواء و خاصة في موضوعة مواجهة من يستمر يؤذيك و يؤذي اهلك و يحتلك و ينهب خيراتك و يجبرك على ان تظل عبدا ساكنا ساكتا و بلا حراك و الويل لك ان افصحت او اخبرت و باللاء اشرت فسيكون عقابك شديد و تكبل بالحديد و يرسل من يرسل الى السجون و يحاصر من يحاصر و تبقر البطون و تفقؤو العيون, فاي بلاء و اي شقاء خاصة ان من يعاون اعداء الامة عليها هم ليس بالقليل من اهلها الاشقياء الجهلاء بما سيلفهم من عذاب و شقاء يوم الشقاء و البلاء الحقيقي الذي ليس مثله و لا قبله في شدته من قسوة و فيه دوام بقاء.
اللهم لك الحمد فاطر السموات و الارض خالق الموت و الحياة, جعلتها فتنة للبشر لتنظر ايهم احسن عملا فهل من يتعض و يهرب بجلده و اهله قبل فوات الاوان.
اللهم يسر لهذه الامة امر رشد تعز به اولياؤك و تهدي به ضاليها و تلحقهم بالركب الصالح من اهلها.
اللهم اسألك بذلك الذي كتب على عصا سيدنا موسى عليه السلام و على نبينا افضل الصلاة و السلام فضرب بها البحر فانفلق طودين عظيمين ان تفرج كرب هذه الامة و تحيي الجهاد في سبيلك في نفوس ابنائها و بناتها, رجالها و نسائها, شيوخها و عجائزها, صغارها و كبارها, حكامها و محكوميها و تهدنا و اياهم جميعا الى خالص كتابك و سنة نبيك هادين مهتدين غير مضلين و لا ضالين, يا ارحم الراحمين يا عظيم الشأن يا كريم يا الله يا حي يا قيوم يا من لا يرد عند بابك احد من السائلين....اللهم آمين....آمين...